قصيدة
( ولد الهدى )
لأمير الشعراء أحمد شوقي
******** - ********
ولد الهـدى فالكائنات ضياء -- وفـم الزمان تبـسم وثـناء
الروح والملأ الملائك حوله -- للدين والدنـيا به بشـراء
والعرش يزهووالحظيرة تزدهي -- والمنتهى والسدرة العـصماء
وحديقة الفرقان ضاحكة الربا -- بالتـرجمان شـذية غـناء
والوحي يقطر سلسلا من سلسل -- واللوح والقلم الرفيـع رواء
نظمت أسامي الرسل فهي صحيفة -- في اللوح واسم محمد طغراء
اسم الجلالة في بديع حروفه -- ألف هنالك واسم ( طه ) الباء
يا خير من جاء الوجود تحية -- من مرسلين الى الهدى بك جاؤوا
بيت النبيين الذي لا يلتـقي -- الا الحنـائف فيـه والحنـفاء
خير الأبوة حازهم لـك آدم -- دون الأنـام وأحرزت حـواء
هـم أدركوا عز النبوة وانتهت -- فيهـا اليـك العـزة القـعساء
خلقت لبيتك وهو مخلوق لها -- أن العظائـم كفـوها العـظماء
بك بشر اللـه السماء فزينت -- وتضوعت مسكا بـك الغـبراء
وبـدا محـياك الذي قسماتـه -- حـق وغرتـه هـدى وحـياء
وعليه من نور النبوة رونـق -- ومن الخـليل وهـديه سيـماء
أثنى المسيح عليه خلف سمائه -- وتهلـلت واهتـزت العـذراء
يوم يتيه على الزمان صباحه -- ومـساؤه بـمحمـد وضـاء
الحق عالي الركن فيه مظفـر -- في الملك لا يعلو عليه لـواء
ذعرت عروش الظالمين فزلزلت -- وعـلت على تيجاتهـم أصداء
والنار خاوية الجوانب حـولهم -- خمدت ذوائـبها وغاض الـماء
والآي تـترى والخوارق جـمة -- جـبريل رواح بـها غـداء
نعم اليتيم بدت مخايل فـضله -- واليتـيم رزق بعـضه وذكاء
في المهد يستسقى الحيا برجائه -- وبـقصده تستـدفع البـأسـاء
بسوى الأمانة في الصبا والصدق لم -- يعرفـه أهل الصدق والأمـناء
يا من له الأخلاق ما تهوى العلا -- منهـا ومـا يتعـشق الكبـراء
لو لم تقم دينا لقامت وحـدها -- ديـنا تـضيء بـنوره الآنـاء
زانتك في الخلق العظيم شـمائل -- يغـرى بهـن ويـولع الكـرماء
والحسن من كرم الوجـوه وخيره -- مـا أوتـي القـواد والزعـماء
فاذا سخوت بلغت بالجود المـدى -- وفعـلت ما لا تفـعل الأنـواء
واذا عفوت فـقادروا ومقـدرا -- لا يستهـين بعـفوك الجـهلاء
واذا غضبت فانـما هي غضبـة -- في الحق لا ضغن ولا بغضاء
واذا رضيت فذاك في مرضاته -- ورضى الكثير تحـلم وريـاء
واذا خطبـت فلـلمنابر هـزة -- تعـرو النـدي ولـلقلوب بكاء
واذا قضيـت فلا ارتياب كأنـما -- جاء الخصوم من السماء قضاء
واذا حميت الماء لم يورد ولو -- أن القـياصر والملـوك ظـماء
واذا أجرت فأنت بيت اللـه لم -- يـدخل عليه المستجـير عداء
واذا ملكت النفس قمت بـبرها -- ولو أن ما ملكت يداك الشاء
واذا بنيت فخير زوج عشـرة -- واذا ابتليـت فدونـك الآبـاء
واذا صحبت رأى الوفاء مجسما -- في بردك الأصحاب والخلطـاء
واذا أخذت العهد أو أعطيتـه -- فجميـع عهـدك ذمة ووفـاء
واذا مشيت الى العدا فغضنـفر -- واذا جـريـت فإنـك النكـباء
وتمـد حلمـك للسفيـه مداريـا -- حتى يضيق بعـرضك السفـهاء
في كل نفس من سطاك مهابـة -- ولكـل نفـس في نداك رجـاء
والرأي لم ينض المهنـد دونـه -- كالسيف لم تـضرب بـه الآراء
يا أيـها الأمـي حسـبك رتـبة -- في العـلم أن دانـت بك العـلماء
الذكر آية ربـك الكبـرى التـي -- فيـها لباغـي المـعجزات غناء
صدر البيان له اذا التقت اللغى -- وتقـدم البلـغـاء والفـصحـاء
نسخت به التوراة وهي وضيئة -- وتخـلف الانجـيل وهو ذكاء
لما تمشى في الحجاز حكيـمة -- فـضت عكـاظ به وقام حـراء
أزري بمنـطق أهلـه وبيانـهم -- وحـي يقـصر دونـه البلغـاء
قد نال بالهادي الكريم وبالهـدى -- ما لم تـنل من سؤدد سيـناء
ديـن يشـيد آيـة فـي آيـة -- لبـناتـه السـورات والأضـواء
الحق فيه هو الأساس وكيف لا -- واللـه جـل جلالـه البـناء
أما حديثك في العقول فـمشرح -- والعـلم والحـكم الغـوالي الماء
هو صبغة الفرقان نفحة قـدسه -- والسيـن من سوراتـه والـراء
جرت الفصاحة من ينابيع النهى -- مـن دوحـة وتفـجر الانـشاء
في بحـره للسابحـين به على -- أدب الحـياة وعلمـها ارسـاء
يا أيها المسرى به شرفـا الى -- ما لا تنال الشـمس والجوزاء
يتساءلون وأنت أطهـر هيـكل -- بالروح أم بالهيـكل الاسـراء
بهما سموت مطهرين كلاهـما -- نـور وروحـانـية وبـهـاء
فضل عليك لذي الجلال ومنة -- واللـه يفـعل ما يرى ويشاء
تغشى الغيوب من العوالم كلما -- طويـت سـماء قلـدتك سماء
في كل منطقة حواشي نورها -- نون وأنت النقطة الزهـراء
أنت الجمال بها وأنت المجتلى -- والكـف والمـرآة والحـسناء
اللـه هيأ من حظيرة قدسـه -- نزلا لذاتك لم يجـزه علاء
العرش تحتك سدة وقوائـم -- ومواكب الروح الأميـن وطاء
والرسل دون العرش لم يؤذن لهم -- حاشـا لغـيرك موعـد ولقاء
( ولد الهدى )
لأمير الشعراء أحمد شوقي
******** - ********
ولد الهـدى فالكائنات ضياء -- وفـم الزمان تبـسم وثـناء
الروح والملأ الملائك حوله -- للدين والدنـيا به بشـراء
والعرش يزهووالحظيرة تزدهي -- والمنتهى والسدرة العـصماء
وحديقة الفرقان ضاحكة الربا -- بالتـرجمان شـذية غـناء
والوحي يقطر سلسلا من سلسل -- واللوح والقلم الرفيـع رواء
نظمت أسامي الرسل فهي صحيفة -- في اللوح واسم محمد طغراء
اسم الجلالة في بديع حروفه -- ألف هنالك واسم ( طه ) الباء
يا خير من جاء الوجود تحية -- من مرسلين الى الهدى بك جاؤوا
بيت النبيين الذي لا يلتـقي -- الا الحنـائف فيـه والحنـفاء
خير الأبوة حازهم لـك آدم -- دون الأنـام وأحرزت حـواء
هـم أدركوا عز النبوة وانتهت -- فيهـا اليـك العـزة القـعساء
خلقت لبيتك وهو مخلوق لها -- أن العظائـم كفـوها العـظماء
بك بشر اللـه السماء فزينت -- وتضوعت مسكا بـك الغـبراء
وبـدا محـياك الذي قسماتـه -- حـق وغرتـه هـدى وحـياء
وعليه من نور النبوة رونـق -- ومن الخـليل وهـديه سيـماء
أثنى المسيح عليه خلف سمائه -- وتهلـلت واهتـزت العـذراء
يوم يتيه على الزمان صباحه -- ومـساؤه بـمحمـد وضـاء
الحق عالي الركن فيه مظفـر -- في الملك لا يعلو عليه لـواء
ذعرت عروش الظالمين فزلزلت -- وعـلت على تيجاتهـم أصداء
والنار خاوية الجوانب حـولهم -- خمدت ذوائـبها وغاض الـماء
والآي تـترى والخوارق جـمة -- جـبريل رواح بـها غـداء
نعم اليتيم بدت مخايل فـضله -- واليتـيم رزق بعـضه وذكاء
في المهد يستسقى الحيا برجائه -- وبـقصده تستـدفع البـأسـاء
بسوى الأمانة في الصبا والصدق لم -- يعرفـه أهل الصدق والأمـناء
يا من له الأخلاق ما تهوى العلا -- منهـا ومـا يتعـشق الكبـراء
لو لم تقم دينا لقامت وحـدها -- ديـنا تـضيء بـنوره الآنـاء
زانتك في الخلق العظيم شـمائل -- يغـرى بهـن ويـولع الكـرماء
والحسن من كرم الوجـوه وخيره -- مـا أوتـي القـواد والزعـماء
فاذا سخوت بلغت بالجود المـدى -- وفعـلت ما لا تفـعل الأنـواء
واذا عفوت فـقادروا ومقـدرا -- لا يستهـين بعـفوك الجـهلاء
واذا غضبت فانـما هي غضبـة -- في الحق لا ضغن ولا بغضاء
واذا رضيت فذاك في مرضاته -- ورضى الكثير تحـلم وريـاء
واذا خطبـت فلـلمنابر هـزة -- تعـرو النـدي ولـلقلوب بكاء
واذا قضيـت فلا ارتياب كأنـما -- جاء الخصوم من السماء قضاء
واذا حميت الماء لم يورد ولو -- أن القـياصر والملـوك ظـماء
واذا أجرت فأنت بيت اللـه لم -- يـدخل عليه المستجـير عداء
واذا ملكت النفس قمت بـبرها -- ولو أن ما ملكت يداك الشاء
واذا بنيت فخير زوج عشـرة -- واذا ابتليـت فدونـك الآبـاء
واذا صحبت رأى الوفاء مجسما -- في بردك الأصحاب والخلطـاء
واذا أخذت العهد أو أعطيتـه -- فجميـع عهـدك ذمة ووفـاء
واذا مشيت الى العدا فغضنـفر -- واذا جـريـت فإنـك النكـباء
وتمـد حلمـك للسفيـه مداريـا -- حتى يضيق بعـرضك السفـهاء
في كل نفس من سطاك مهابـة -- ولكـل نفـس في نداك رجـاء
والرأي لم ينض المهنـد دونـه -- كالسيف لم تـضرب بـه الآراء
يا أيـها الأمـي حسـبك رتـبة -- في العـلم أن دانـت بك العـلماء
الذكر آية ربـك الكبـرى التـي -- فيـها لباغـي المـعجزات غناء
صدر البيان له اذا التقت اللغى -- وتقـدم البلـغـاء والفـصحـاء
نسخت به التوراة وهي وضيئة -- وتخـلف الانجـيل وهو ذكاء
لما تمشى في الحجاز حكيـمة -- فـضت عكـاظ به وقام حـراء
أزري بمنـطق أهلـه وبيانـهم -- وحـي يقـصر دونـه البلغـاء
قد نال بالهادي الكريم وبالهـدى -- ما لم تـنل من سؤدد سيـناء
ديـن يشـيد آيـة فـي آيـة -- لبـناتـه السـورات والأضـواء
الحق فيه هو الأساس وكيف لا -- واللـه جـل جلالـه البـناء
أما حديثك في العقول فـمشرح -- والعـلم والحـكم الغـوالي الماء
هو صبغة الفرقان نفحة قـدسه -- والسيـن من سوراتـه والـراء
جرت الفصاحة من ينابيع النهى -- مـن دوحـة وتفـجر الانـشاء
في بحـره للسابحـين به على -- أدب الحـياة وعلمـها ارسـاء
يا أيها المسرى به شرفـا الى -- ما لا تنال الشـمس والجوزاء
يتساءلون وأنت أطهـر هيـكل -- بالروح أم بالهيـكل الاسـراء
بهما سموت مطهرين كلاهـما -- نـور وروحـانـية وبـهـاء
فضل عليك لذي الجلال ومنة -- واللـه يفـعل ما يرى ويشاء
تغشى الغيوب من العوالم كلما -- طويـت سـماء قلـدتك سماء
في كل منطقة حواشي نورها -- نون وأنت النقطة الزهـراء
أنت الجمال بها وأنت المجتلى -- والكـف والمـرآة والحـسناء
اللـه هيأ من حظيرة قدسـه -- نزلا لذاتك لم يجـزه علاء
العرش تحتك سدة وقوائـم -- ومواكب الروح الأميـن وطاء
والرسل دون العرش لم يؤذن لهم -- حاشـا لغـيرك موعـد ولقاء